في مساء ربيعي هاديء .. المدينة تغفو على حدود الأرصفة .. والصمت يجوب الشوارع .. الأنوار تبدد الظلام .. والنوارس تخلد للنوم على قمم الأشجار .. والليل مازال يمتد , ويمتد.
خلصت الحسناء من تدابير المنزل .. واطمأنت على طفليها النائمين .. وأطلقت شعرها ليضم كتفيها .. وارتدت فستانها الموشى بالورود الحمراء .. وقفت بقامتها الممشوقة أمام الشرفة .. سكون يلف المدينة .. ونسمات مسائية تلوح وتختفي .. مزيج الضوء والظلام يشكل فسحة للخيال.
لحظات هاجعة .. وفكر خصيب .. هكذا اقتنعت بمبرر الكتابة .. وبعزيمة جادة .. قالت :
سأكتب إبداعا !!
وليكن مصدر إلهامي .. الليل والصمت و... و جمالي ! .. مسرعة راحت تعيد ترتيب شعرها .. وتصبغ شفاهها .. وتحضر المرآة , وجلست تحدق في أنفها الشامخ بالكبرياء .. وعينيها الواسعتين .
أمامها عدد من الأوراق .. تناولت واحدة , وبدأت تكتب , وأخذت ثانية .. وثالثة .. ثم نقرت صدغها بأناملها واستمرت تكتب .. والليل والصمت والجمال تغذيها بتهكم ..!
.. سأرسم بالكلمات عقودا جميلة .. وأكتب بوحا هامسا يشاكل إنسياب المساء .. سأرصف كلماتي وبوحي سيرا ذهبيا للوصول للشهرة .. ويصبح قلمي نغما فريدا .. وعبقا زكيا.
تثنى الليل والجمال تحت نواقيس السحر والنعاس .. ذهبت إلى المطبخ لإحتساء كوبا من القهوة .. ليجلو بوادر الإرهاق .. ويقذف في الذهن ألقا .. وعند عودتها وجدت أمرا مختلفا .
فنسمات المساء تسللت من النافذة المشرعة .. وتفردت بالأوراق .. لتعبث بها وتثني صمود الصمت .. ب(طقطقة) الأوراق التي تحمل إبداعا مشتتا .