يقيد الصمت تلك الوجوه الجالسة على جانبي الممر التي غزتها معالم الحيرة والترقب تحاول وئده عن طريق التجوال ببصرها في الممر وفي الذين يعبرونه ذهابا وإيابا التي كانت خطواتهم وإيقاعها هي لغة المكان ولم يكن هو أوفر حظا عن البقية فالشعور السائد كان يغمره لكنه تحرر منه عندما سدد بصره نحو ذلك الرجل العجوز الجالس في نهاية الممر الذي كانت عوامل الزمن قد هجمت على جسده بقوة تجاعيد .. وشعر ابيض .. وبشرة باهته أثار تصرم العمر التي كانت قد زحفت إليه وكسته وبينما هو يمعن النظر صدر نوبات سعال شديدة وحادة راحت تعصف بذلك العجوز كان صدها يتردد في الممر عبرت الى داخله وسربت إليه الشفقة والعطف على حال هذا العجوز الطاعن في السن وماهي إلا للحظات حتى هدى و خمد صراع السعال قليلا وركن الى الهدوء فوضع يديه فوق عصاه وهو مكب على وجه في حالة من انتظار موجة أخرى من السعال التي جاءت هذه المرة بشكل متقطع ثم توقفت , طلب العجوز قائلا يا أبني ناولني من هذا الكيس علاج السعال فأنا أخاف يعاودني من جديد قال الابن سمعا وطاعة يا أبي .. عفوا لقد نسيناه في البيت .. عاود البحث .. لا فائدة استسلم العجوز لجواب ابنه واظهر الصبر والتجلد في محاولة للتحدي الذي لم يستمر طويلا فلقد ذهب في إغفاء فأحس الابن انه يعاني من انخفاض في مستوى السكر عندها راح يناديه ابي أفق ... أفق ولكن لم يجبه وكان يشير بيده تفحص أدويته مرة أخرى ودفع حبة العلاج الى فم أبيه وما هي الا للحظات حتى استفاق العجوز وفتح عينيه ليعود في تفرس ماحو له اين نحن يا أبني ... أننا في المستشفى خرجت تلك الكلمات منه بتثاقل وعدم الوضوح ...
دعنا نعود الى البيت ... لابد ان تكشف لدى الطبيب يا أبي ..... قلت عد بي الى البيت اننا انتظرنا بما فيه الكفاية أرجوك يا أبي دعنا ننتظر .. ذهبت توسلات الابن أدراج الرياح .. ماذا سوف يعطينا هذا الكيس يوجد فيه كل أصناف الأدوية .. للظغط للسكر للسعال للقلب للرئتان للمعدة .
فك قيد بصره من مشهد العجوز وابنه ورجع الى حقيقة وجوده وحال جسده فقال الحمد لله أنا هنا من أجل عارض صحي بسيط أن علاجي قد يستغرق أيام أما ذلك العجوز فان حياته سوف تبقى أسيرة لذلك الكيس الممتئلى بالعلاج الذي هو ذخيرته وسلاحه الذي يظل يجاهد في الحصول عليه لكي يدافع ويقاوم عن جسده ويتمسك بغريزة البقاء .