لا يعرف له أقرانه حزناً من فرح .. كما لا يعرفون له ليلاً من نهار .. وهو يصحو الآن فى ذهول .. يدعك عينيه يذهب أثر النوم , أو يغمضهما من وهج ضوء المصباح الذى تركه مشتعلا رغم ضوء النهار الذى مازال يتسرب من ستارة نافذته المتهرئة , ثم يذهب مسرعا الى دورة المياة .. وربما لو كان قبل نومة القيلولة لهذا اليوم قد أفرغ مثانته الممتلئة , حينئذٍ ما كانت ستأتيه هذه الرؤى فى نومه .. لكنه تكاسل بمجرد القائه لجسده المنهك على السرير , ليسلم لنوم سريع , كعادته .. لقد رأى نفسه ينتفض كالمارد , ويصرخ فيمن حوله خاصة الأستاذ سين الذى يعمل لديه , كما رأى وجوة الناس – أمام ثورته تلك – لا يبالون به القدر المرضى له , مما دفعه أن يزيد من حدة غضبه الى درجة التشابك معهم بالأيدى .. لقد قرر أن يدمر علاقته بهم .. فهو لا يحبهم , ولا يرتاح اليهم كفريق عمل ينتمى اليه .. تكفى الأربع سنوات التى مضت دون أن يوفر شيئا يذكر لاتمام مشروع زواجه , ودون حتى أن يجد من بين من حوله الصديق الذى يرتاح اليه .. لكن ان ترك عمله ماذا يصنع , وأين يذهب .. وهو الشاب الأقاليمى فى هذه المدينة الفضائية الكئيبة .. انه يشعر أنه ثور مربوط باحكام الى ساقية عتيقة .. ظالمة .. *** (الله أكبر, الله أكبر) شدّ اليه غطاء السرير كى لا يسمع شيئا , ان ميكروفون المسجد المجاور كأنه أسفل أذنيه .. يعلم أنه سيخرج الى المسجد فى تكاسل .. لم يكن به غير نفر قليل , وقف اليهم فى رتابة .. (الله أكبر) كانت الأفكار تملأ رأسه .. وكان صوتا كالشيطان يندلع داخله .. هل أستمر فى هذا العمل .. انهم يرونى لا أستحق زيادة فى الراتب , و.. (الله أكبر) .. لا يريدون تقليل عدد ساعات العمل حتى يسهل لى مزاولة عمل آخر باقى اليوم .. (سمع الله لمن حمده) أنا فى حاجة الى اتخاذ خطوة جادة .. كيف أترك نفسى هكذا .. الى متى أهرب من نفسى .. (الله أكبر) سبحان ربى الأعلى .. ربى ما حاجتى الى التردد على نوادى النت لمطالعة مواقع التوظيف , وما جدوى متابعة الجرايد بهذا الكم وهذا العمل المتواضع كأنه قدرى الوحيد .. .. (الله أكبر) كانت عينه قد بللتها دمعة قد تحدرت على خده وهو يرفع من السجدة الأولى .. (الله أكبر) سبحان ربى الأعلى .. سبحان ربى الأعلى .. سبحان ربى الأعلى .. فرغ من الصلاة .. وعندما خرج من المسجد ذهب الى البقالة الذى يعمل فيها .. كان يخطو بغير الوجة الذى كان عليه منذ ساعة .. دخل لمكان عمله مبتسما فى وجة زميله .. ألقى عليه السلام .. صافحه فى حرارة , وبدأ يتسلم منه ورديته المسائية .
أبوحماس الخطيب - مصر