تم تدشين موقع القصة العربية بشكله المطور الذي يحتوي على الكثير من الخدمات التي تتماشى مع رغبة أعضائه، وبما ينسجم مع وسائل التواصل الاجتماعي. سيكون الموقع للتصفح والقراءة الآن، ريثما ننتهي من برمجة الخدمات المدرجة في جداول التحديث.

قريباً سنعلن عن كيفية الاشتراك، ووضع النصوص وتعديلها، وتفاصيل السيرة الذاتية.. ومزايا أخرى

سطو في عمق الليل
*** كانت هناك في القرية حديقة غناء تحيط بقصر الشيخ . لا أحد يحزر ما فيها من ألوان الأشجار المثمرة . فهذا حكر على سيدة القصر المدللة ، و أبناء الشيخ القائمين على خدمتها . لكن الأشجار على مر السنين ، تمردت و أبت إلاُ أن تتباهى بثمارها المثيرة للعاب ، و تطل بحملها من فوق السياج . الرمان و التين و الطرنج و التكي و الليمون ، كل في حينه . و كان يبدو للناظر ـ بالأخص لولدي (صخيله ) و ابن ( فنديه ) ـ ان حجم الثمار قد لاح شهياً ، و قد تدلى الرمان جراء ثقله ، و حان قطافه . فبات عليهم أن يفكروا و يجازفوا بالتسلل في عمق الليل . و كانوا قد رصدوا : إن الطريق إلى الداخل ، لا يتم إلاّ عبر فجوة الساقية الخالية من الماء . و كان التسلل محفوفاً بالمخاطر . فأبناء الشيخ لن يترددوا بإطلاق النار على من يتجرأ على اجتياز السياج . وقفوا كالعادة على مسافة ، يمعنون النظر بالرمانات ، و التي بدت ناضجة متدلية . قال ابن صخيلة الكبير لابن فنديه : ـ هل تستطيع أن تجتاز الساقية تحت جنح الظلام ؟ قال ابن فنديه بحماس : ـ أستطيع . و لماذا لا أستطيع ؟ هل أنا جبان ؟ فانا سأزحف بطريقة الأفعى ، و أدخل عبر فجوة الساقية بسهولة . و لكن عليكما أن تراقبا جيداً .. هل سمعتما ؟ تراقبان جيداً. فإذا حصل و شاهدتما أحد أبناء الشيخ فإن على أحدكما أن يطلق صفيره لكي أكون على علم بالأمر . عندما مضى الليل إلى العمق ، أخذا الكيس من صخيلة ، التي أظهرت تذمرها من نيتهم فحذرتهم ، و لكنها في الخفاء تحلم هي أيضاً بمذاق الرمان . اقترب الثلاثة من السياج . و عندما اطمئنوا من خلو المكان من المارة ، تسلل ابن فنديه زاحفاً من فجوة الساقية و معه الكيس . علق بثوبه طين الساقية ، التي مازالت مبللة بماء السقي . هذا لا يهم ، سيغسله لاحقاً ... تحرّى بنظره جيداً ، مخافة ان يوجد احد . كان يهيمن على قلبه الخوف من هذا الصمت و الظلام الذي بدا أشد حلكة مما في الخارج . استوى على ركبتيه .. ورفع رأسه ليستطلع يمنة و يسرة ، و هو ينظر لعلوالسياج : إنه لا يستطيع أن يقفز منه لو أجبر على ذلك. و بدا له كأنه قد انقطع عن القرية بكاملها . هل يعود ؟ لكن حبات الرمان قد تدلت و داعبت خديه و أنفه . لاحت له الحديقة مكتضة بالأشجار أكثر مما كان يتصور . و يهيمن عليها القصر العالي بسطوته . فبقي محتاراً . من أين يبدأ ؟ وإن عليه أن يعمل بسرعة . تلمس الرمانات ، فبدت له إحداها رقيقة القشرة و ممتلئة . راودته الرغبة أن يتناول واحدة . لكنه لم يفعل لكي لا يفرط بالوقت . ثابر بقطف الثمار بسرعة و دون صوت ، و هو يلتصق بالشجيرة ، ويتعرض إلى الجروح التي أحدثتها اشواكها . فقد كان عليه ان يحْذر من أذاها . وضع الكيس جانباً و فضل أن يضع ما يحويه في شليله أولاً. ومضى يتنقل من واحدة إلى أخرى ، و هو يواصل القطاف . لاحت له رمانة كبيرة في الأعلى فاقتطفها ، لكن الغصن تحطم و أصدر صوتاً عالياً ، فردد بخوف : ـ خرا بعينك و عين الخلفك ابن فنديه . ربما هناك من ينصت و أنا أفعل هذا . خرا بصفحة موتاك . تحرك بهدوء حتى لا يصدر صوتاً مرة أخرى ، و تريث ليعبئ الرمان في الكيس . كانت الحديقة مكتضة ، و يجد صعوبة في تنقله ، إذ عليه أن لا يترك صوت الأغصان يعلو و هو يمر فيما بينها . إلاّ انه شاهد أشجار الطرنج . كان يفضل أن يصطحب معه لأمه فنديه و لخالته صخيلة . فتحرك سريعاً باتجاه الطرنج ، و امتدت ذراعاه نحو علو الشجرة و اقتطع الثمار ، رغم الجروح التي أحدثتها اشواك الشجرة . لاحظ : أن هذه الأشجار هي أيضاً شائكة و هو لا يدرك ذلك . و كان عليه أن يضع الثمار في الكيس و يعود ليتوغل أكثر . إنه إلى حد ما يشعر و كأنه قادر على الاختباء و التنقل بدون صوت ، و على ممارسة قطف الثمار دون ان يتم رصده . عثر بساقية أخفتها الأدغال فردد مع نفسه : ـ عمى بعينك . إي و الله . كيف لم تشاهد ذلك ؟ كان يشاهد الباب الخلفي للقصر ، وكأنه قد أصدر صريراً لينفتح ، فخارت قواه ، و كاد يتهاوى . لا يدري أهو الصوت من الباب أم من داخل القصر ، فرأى من الأفضل له أن يعود للأشجار الكثيفة و القريبة من الساقية . أفرغ ما في شليله في الكيس ، و هو لم ينقطع عن بكائه : ـ كيف سمحت لنفسي بهذا ؟ . وجد : ان الكيس يكاد أن يصعب عليه تمريره من فجوة الساقية . و أن الوقت قد تطرف . و لم يسمع بصفير الإنذار حتى يقلق . غير أنه فجأة لاحظ أحدهم و قد رفع رأسه من فوق السياج ليتحرى في البستان . زحف مسرعاً ليلوذ تحت كثافة الشجرة ، و قلبه يضطرب . ـ إشتوى ابو فنديه.. هذا ابن الشيخ يراقبني من خارج السياج . يمكن سمع الغصن الذي تحطم . تكرر تحري الرأس من فوق السياج مرة ثانية و اختفى سريعاً . ـ راح انلزم ، اللعنه على أبيك فندية ، لمن خلفتني ؟ راح انلزم .. ما الذي خدعني ؟ لمَ لم يأتِ أحدهما بدلاً عني ؟ اختفى عميقاً و سحب الكيس بهدوء خلفه ، و غطّاه بالأغصان المتدلية . و مكث على هذه الحال . فجأة .. سمع وقع أقدام بين الأشجار تهرول باتجاهه ، و توقفت قدمان يكادان أن يمسّا جسده ، و كادت عباءة أن تلامس وجهه . كانت فتاة تضحك بصوت منخفض . سمع أيضاً صوت علي إبن الشيخ يهمس للفتاة : ـ هيّا .. جمّاره ، إخلعي فوطتك واعطني قبلة هناك . ـ و تعطيني رمان؟ همس ابن فنديه مع نفسه : ـ جمّاره بنت نوشه . قال لها علي ابن الشيخ هامساً : ـ ليس الآن . سأعطيك كل الرمان فيما بعد . ألآن ينبغي أن نحذر من زوجة أبي . فأكيد لو التقتكِ و أنت تغادرين .. ستفتشك . ـ واحدة . فقط واحدة ههههههه . ـ ... كان يحتضنها و يقبلها عدة مرات ، و يمرر اصابعه تحت فوطتها ، و يبسبس معها : ـ ما هذه الرائحة الطيبة ؟ ـ قرنفل . ههههههه. ـ جمّاره .. دعينا نجلس هنا قليلاً . إجلسي .. هيا ، إجلسي تحت هذه الشجرة . ـ لا فدوة لا. دعنا نخرج . فقد تطرف الليل و ستفقدني أمي . بينما كان ابن فندية قد فقد السيطرة على بوله و ساح بين فخذيه . و بعد ان قضى ابن الشيخ وطره بالقبل امرها : ـ هيا .. تعالي خلفي لنتأكد من خلو الطريق و نخرج من الباب الخلفي . ـ و لكنك لم تقل .. متى تتزوجني ؟ ـ أتزوجك حتماً .. و سأقول لك متى ، فيما بعد . ـ قل .. والله ؟ ابتعدت خطواتهما سريعاً ، و جر ابن فندية نفساً عميقاً و هو يذرف دموعه و يقول : ـ اللعنة . كدت أخرّي بثيابي .. فأمعائي ما زالت تخبط . *** في خارج السياج كان ولدا صخيله قد استبطآه كثراً . ثم عادا مرة ثانية ليقتربا من السياج ، و جلس الكبير ليصعد الآخر مرة أخرى على كتفيه و يتحرى سريعاً عن صاحبهما . فهمس الكبير : ـ هل شاهدته ؟ ـ لم أشاهده . و بدا لهما : أنه قد يكون حدث له مكروهاً . و قررا أن يبتعدا أكثر و ينتظرا . كان الأمر قد اختلط على ابن فنديه و تصور أن ذلك هو أيضاً ابن الشيخ . فربما ـ في هذا الوقت المتأخرـ لا مانع لديه أن يطلق النار عليه و يرديه قتيلاً. *** عادا الأخوان و كررا عملية التسلق بجانب السياج للبحث عنه و ظنّ ابن فندية : إنه قد نصب له كميناً خارج السياج . و لكن أين ذهب رفيقاه ؟ لماذا لم يصفرا . أما كان الأجدى بهما أن ينفذا وعدهما ؟ ربما انهزما و تركاه وحيدا ؟ و استمر بالبكاء . مالعمل ؟ من أين يخرج . إن عليه أن يختفي ، و لا يبدي أي حركة . فأي حركة خافتة ستؤدي إلى طلقة في الرأس . إنه حتى لو تم الأمساك به . سيقول لهم : ـ أن ولدي صخيلة هما اللذان خدعاه و دفعا به دفعاً ليَنْفذ من ثقب الساقية ، ليكون في قلب الحديقة . ـ أنا لا ألقي بما قمت به فقط على نفسي . ولدا صخيله هما اللذان دفعاني دفعاً إلى هذا . تكور داخل الأدغال كاتماً أنفاسه و استمر يراقب وهو يذرف دموعه . بينما عاد الأخوان . ليصعد الصغير على كتف أخيه و يتمعن بالبحث . ردد ابن افندية با كياً . ـ ها هوذا ، ها هو ابن الشيخ ما زال يبحث ، إن أمعائي تخبط و أكاد أفعلها . كان الرأس قد جال من فوق السياج يتحرى في كل جانب ثم اختفى . ـ انتهيت . ويلكِ يا أماه تعالي لابنك الجحش الذي ورطاه بهذه البلوى . إنتهيت .. انتهيت . كان ابن افنديه يمكث طويلاً باكياً ، و ينصب إذنيه لكي يتسقط ما يجري ، ثم فجأة لاح له أحدهما يتحرى . و من خارج السياج ، يئس الولدان، دون أن يستدلا على مصير صاحبهما . مضى الوقت .. و ابن فندية لم يتسلل . و كان الخوف يستحوذ على قلبَيْ الأخوين ، فالمشكلة ستكون وبيلة عليهم جميعاً وعلى آبائهم . قال الكبير و هو يقتله القلق : ـ أين ولّى هذا الجحش ؟ و عندما فقدا الأمل عادا أدراجهما إلى البيت ، و ظلا في حيرة .. ماذا حدث ؟ هل أمسكوا به . كان الإثنان قد قرفصا في فناء الدار و ظلا يفكران بالأمر . و بعد أن يأسا تماماً لجآ للفراش و هما يفكران بقللق . مالذي حدث له ؟! سألتهما صخيله : ـ أين صاحبكما ؟ ـ لا نعلم . إنه لم يعد بعد . غمّت بكلتا يديها وجهيهما و قالت : ـ فلك طرَّكما . ماذا فعلتما بابن المرأة ؟ سنبتلي من وراء فعلتكما . هل هو يسكت ؟ سيقول انكما معه . ما هذه المصيبة التي جلبتماها . بعد أن مضى وقت طويل و الأم تفرك بيديها ، وتواصل لومها لهما ، و إذا بالباب يندفع بقوة . صاحت المرأة مرعوبة : ـ ما هذا ... ؟ بعد لحظات بان ابن فندية على اعتاب باب الكوخ لاهثاً و هو مثقل بالكيس . صاحت صخيله : ـ هاته . وضعته صخيله في السدانة(8) و أغلقتها . قالت له : ـ فلك طرك و طرّ امك .. هل شاهدك أحد ؟ ـ أتيت بالنهير . لم اترك لأحد أن يشاهدني . قال له الكبير : ـ أين كنت و نحن متنا من الانتظار ؟ ما هذا الطين و هذه الرائحة ؟ قال و هو يسب و يشتم بأقسى الكلمات : ـ لقد بِلْتُ على ثوبي . خفتُ من أبناء الشيخ و هم يراقبوني لعدة مرات من خارج السياج ؟. كان يطل احدهم برأسه عدة مرات بحثاً عني لآن الغصن الذي انكسر أصدر صوتاً فسمعوه . أين كنتما ؟ لماذا لم يصفرأحدكما؟ استغرقا بالضحك و قال الكبير : ـ الذي يطل برأسه هو أخي أيها الجحش ، قلقنا عليك لأنك تأخرت كثيراً. قم و اذهب إلى الشط و اشطف ثوبك و لا تجلس و أنت نجس . قال ابن فنديه : ـ سأغتسل و أعود إليكم لأروي لكم حكاية كبيرة شاهدتها . ***
1/6/2017
(1)السدانة وعاء طيني تحفظ في جوفه بذور الحنطة و الشعير .
التعليقات