لا أحد في شرق المدينة أو غربها إلا و يعرف امرأة بلا اسم تَعْتِل على كتفيها الناحلتين كفناً متأهباً للانقضاض على بقية جسمها ، و تمضي هائمة في الطرق الشائخة كأنها تبحث عن موقع ما يلائم ضريحها .
يخلعون عليها كنية وهمية و يترقب الأطفال مرورها كي تغني لهم مقابل رشاوى صغيرة من فتات السندوتشات ( يفعلونذلك لإشباع حاجتهم إلى الاستخفاف ) عند المغيب تأوي إلى أقرب العتبات و تدخل أول بيت يصادفها ، ليس لها مأوى ( و لا علاقة لها بالإنتربول ) لكن كل البيوت بيوتها .
كان ذلك قبل الطفرة ، أما الآن فهي تشكو للبقال الذي يهبها بعض المعلبات التي أوشكت أن تتعفن بدلاً من أن يرميها ، من الناس الذين بدأوا يضعون الأقفال على أبواب منازلهم، و من تحرشات العمال ، و عبث المراهقين الذين يخترقون الساحة الترابية بغرض ( التفحيط) حولها إلى أن تختفي في زوبعة الغبار ، بل و حتى من رجال رصينين و متشابين يتعقبونها في أوقات محددة و يأمرونها أن تحتشم بعد أن بلغت من العمر عتياً .
فكرتُ ذات ضحى ـ بدافع الخوف على الماضي الجميل الذي شرع ينقرض ـ أن التقط لها صورة ، و لما رأتني أصوب العدسة باتجاهها كَتَحَتْ حفنة تراب نحوي ، و أشاحت .
و أمس و جدوها تحت خردة شاحنة ذابلة كوردة مغدورة تنعقد على أطرافها كتائب سوداء من النمل المتهافت على جسد ينز بالعجز ، تفوح من جنازتها رائحة صلاة ، و على شفتيها جملة لم تكتمل ، و بإصبعها تشير إلى السماء ( ترى أية رسالة تحملها هذه المرأة ) ؟!!