ذو الطربوش
كان ابني على علم بالنزاع الذي يدور منذ أيام حول مسألة الطربوش ، لذلك جاء نحوي مسرعا وقد جف حلقه ويبست شـفتاه ليخبرني عن الحشد الغاضب في باحة دارنا ، ورغم انه خبر قاتل ومخـيف فقد نهضت متثاقلا نحـو النافذة أسحب أطنانا من الخوف والترقب .
عندما نظرت من النافذة رأيت باحة الدار غابة كثيفة من الرماح ، تحت كل رمح جمرتان ، وأنف متورم ، وأشداق يقطر منها زبد الغيظ ، واكتاف مشدودة للخلف كأنها أوتار في أقواس سهامها الكراهية العمياء .
ما أن ظهر لهم وجهي عبر النافذة حتى صرخ أخي الأصغر : أخرج هنا ، أخرج كي تدفع لرمحي هذا ثمن خيانتك . قلت والعلقم في فمي : اتق الله يابنؤم .. تقتلني من أجل طربوش ؟قال أخي الأوسط وهو يصوب رمحه نحوي : من أجل طربوش أم من أجل تاريخ جدك ؟ نظرت اليه وقد استبد بي الحزن والأسى والعجب أيضاً قبل أن أتمتم : ياللمزايدة !
قلت للجماهير الهائجة في محاولة للتقارب : اتفق معكم تماما ، ذو الطربوش هو جدنا ، والطربوش الذي غنمه جدنا من الاتراك موجود عندي ، الطربوش الأحمر بجوخه وإحمراره وفخموته ، ولكن هذا لا يمنع من وجود طربوش ثان في حوزة رجل آخر ..
صرخ أخي الأكبر ورمل الشاطئ يملأ شدقيه : طربوش مع رجل آخر ؟ فليكن ذلك كذلك ، لكن اللقب هو لجدنا فقط .
قلت بإحساس المنتصر : فليكن هناك ألف رجل يحملون اللقب هذا لن يحول بين جدنا وبين اللقب .
قال وكأن عبارتي قد أشعلت فتيلته : ان كنت رجلا تعال هنا .. تعال هنا أيها الملعون . قالها ثم انفجرت الجموع الهادرة تردد نشيدا من خلفه .