تم تدشين موقع القصة العربية بشكله المطور الذي يحتوي على الكثير من الخدمات التي تتماشى مع رغبة أعضائه، وبما ينسجم مع وسائل التواصل الاجتماعي. سيكون الموقع للتصفح والقراءة الآن، ريثما ننتهي من برمجة الخدمات المدرجة في جداول التحديث.

قريباً سنعلن عن كيفية الاشتراك، ووضع النصوص وتعديلها، وتفاصيل السيرة الذاتية.. ومزايا أخرى

ذاكرة مثخنة بالدم
[size=10][color=purple] ذلك اليوم – هو الجمعة بلا ريب - ساعة ما بعد المغيب تحديدا. ثمة شيء ما، ربما يد إنسان تتحرش بك آن تخلد إلى نومك، لتصحو في الحلم على أثر ارتطامك بالمشهد البعيد.. تنتبه إلى الرضوض فإذا هي قد كبرت و غارت بعيدا إلى الحد العصيّ على الاندمال. جراح كثيرة استطعت أن تتجاوزها مرور الوقت، موت عاهل، إهانات، إخفاق، و حرمان، تحكي تفاصيلها الآن بحياد كأنّك تستدينها من ذمّة الزمان من أجل الوفاء لها فقط، بيد أنها لم تعد ضمن مقتنياتك. فقد تعلمت بالوراثة أن تصدّق كل الشائعات الّتي كان أهل قريتك يروّجونها مثل مبدأ " أن الصعوبات التي تذل الإنسان و يعجز عن التصدّي لها تتكفل بمحوها الأيّام" و يوم فرم جنزير الدّرّاجة كاحلك آنذاك و أوقعتك مهرتك الصغيرة أرضا لم تجد عكازا تسند ضعفك يومها غير تلك الكلمات الّتي رماها جدّك القاعد في شمس الضحى يمضغ رطب أول النهار إذ حصبك بالنواة و قال بدون أن يحرّك فيه شلال الدّم على كعبك أيّة عاطفة: [color=indigo]ـ قم تكبر و تنسى!![/color] بلّل الألق ملامحه لما رآك تنهض بخفّة و أضاف بطريقة احتفالية: [color=indigo]ـ و نخطب لك العروس [/color] فلم تتمالك على أثر غاشية الخجل التي امتطى وجهك لونها إلا أن تستأنف قيادة دراجتك و تلوذ بالفرار تطاردك ضحكاته المتدفقة على هيئة وصلات رعد صغيرة و مجلجلة. و في الأيام التالية، ما كان يخطر في بالك أيها الولد الغر الانصياع لتلك المواعظ البالغة في غرابتها، ما كان يخطر ذلك في بالك أبدا و حين شاهدت " مريم " تتعثر في حاشية عباءتها، في ذلك اليوم الذي لن تنساه كمنعطف خطير في تاريخك الشخصي فسّرت المشهد على أنه ليس سوى بنت صغيرة تتسلف عباءة أمها من قبيل التجريب، و هكذا عانقتها مكبا على أطرافك الأربعة و شرعت تعوي مرتجلا في الحال مسرحية أنت تستحوذ فيها على دور الذئب الجائع إلى عنزته الجميلة، و كنت بالفعل مصمما على أن تمضغ عباءتها، فلم يدر في خلدك أنها سوف تختفي إلى الأبد إلا عندما انتهرتك أمك بقسوة، و كأنّها تتقمّص دور الرّاعي لولا تلك الجديّة لتي تعرفها جيّدا قائلة: [color=indigo] ـ إن البنت كبرت (!!)[/color] و سرعان ما فهمت أنها تتعمد أن تضع على اسمها المغروس في ذاكرتك كعشبة برية حجرا أو غلالة سوداء. ذلك اليوم- هو الجمعة بلا ريب – ساعة المغيب كان الفتى يختلس وقته الضيّق من أوقاتهم و يتسلل إلى بيتها.. و يتدلى من ذراعيه تحت الشرفة شاخصا باتّجاه باتّجاه المرأة الصغيرة تتجوّل فوق السّطح كفراشة معتقلة. يقول لها بلهجة تحمل كل تحدي الأطفال: [color=indigo] ـ هيا، انزلي، ثم يسحب ورقة اللّعب من جيبه و يفردها على نحو بهلواني، إنّهم في الصّلاة.[/color] و بدورها سددت إليه سهما مراشا بالرّعب: [color=indigo]ـ عبّود! هل يمكنني أن ألد كالنّساء بسبب الدّم؟[/color] [color=indigo]ـ أي دم، هل جُرحت أيضا؟[/color] لكنّها أجفلت حينما أفاقت على فظاعة السّلوك التي قامت به، و ولجت إلى الدّاخل تاركةً الولد يلعق الأسئلة تلو الأسئلة. قرب العتبة يحدث أن يعثر الطّفل على وردة حمراء مرميّة في تلك المساحة من الممرّ غير النافذ بين البابين، خشبة مسرحهما اليومي، من الرّائحة تعّرف هذا الولد لأوّل مرّة على الأسرار!! من الرائحة وحدها. يتذكر أنهم خلعوا عليها في تلك الأيّام البعيدة لقب (( البنت المخبية ))، بعض النساء كنّ يتحاشين المرور على اسمها الحقيقي بدافع الحسد. تصل إليه أسرارهن التي تمجد حلاوة عينيها.. ضحكتها الدافئة.. شعرها الهرب سبطا ناعما للدرجة التي تجعل الماشطة تفرش لها بساطا أثناء التسريح. يتذكر حتى أكاذيبها العذبة و هو يسترق السمع لكي يتخيل هذه الأسطورة، و يتمنى أن يراها. هي البنت الصغيرة التي كانت ذات يوم في مثل سنّك، و يدوم فيك ذلك الصوت: [color=indigo] ـ قم تكبر و تنسى[/color] هل أصبحت كبيرا حقا؟ تصحو، تتجرّع كأس الماء و تحاول أثناء ذهابك إلى العمل أن تجمع نسيانك من فضلات نسيانها. [/color][/size]
من ( رائحة الطفولة ) 2000
التعليقات