*** في يوم ختانه ، كان يدرج إلى عامه الثالث . السن التي يكون فيها الطفل بعد الكلام بقليل وقبل أن يلمس وردة الأسرار . في السن الذي يعرف الأطفال عددا من الكلمات تكفي لفضيحة مدوية ، ولكنهم لا يمتلكون حصالة للكلمات . وإذا ما قلت لأحدهم : إياك أن تخبر أحدا فإنه سرعان ما يمزق الوصايا . كانت الحركة في البيت غير معتادة ، وجدته أمه يفتح عينيه للتو ويتفقد عصفوره المتأهب للطيران ، ارتعش في صدرها فرح أمومي وأيقظته من استيهاماته بقبلة ، وأخذته للحمام ، تركته كعادتها يخوض في فقاعات الماء اللزج . وقرأت في صيحاته المبهمة التي يضج صداها فوق السيراميك سؤالا : أشارت إلى الكرات اللامعة وقالت : إنها تطير لتصبح عيونا للعصافير المشردة ! فتح عينيه على اتساعهما ويدد نظرة على الشباك ، ورأى أسرابا من العصافير العمياء تتلقف الكرات الزجاجية وتطير وانزلقت من حنجرته ضحكات ناعمة تحاكي نعومة الحدقات الشفافة . وعاد يحرك الماء بكلتا بأطرافه ، بدا للأم أنه يعود مجددا إلى رحمها وتخيلت أنهما معا شخص واحد بثمانية أطراف . علقت : أنت تموء مثل القطط . جاءها صوت الأب من حاشية الباب متى ينتهي العريس ؟! ولم تمر لحظات حتى خرج تحت ذراعها ملفوفا بمنشفة بيضاء موشاة بالألوان غطت جسده الصغير ،حتى عنقه ، تفوح منه رائحة الصابون . رفعه أبوه بذراعين حتى أصبح بموازاة المرآة وقال موجها عينيه تجاه خياله المنعكس : هل تريد أن تتزوج أيها الدب القطبي ؟! أهو العيد ؟! أجل ، أجاب الأب وأكملت أمه : هذا هو العيد الثالث في هذا العام . وانشقت المرآة في خياله عن صورة راقصين ومهرجين ومسدسات ماء وحلوى أثناء ارتدائه ملابسه . مدت له الأم مصحفا عتيقاتناوله بيده اليمنى ، وباليد الأخرى أمسك بذراع الطفل ودغدغه من رأسه واتجها معا إلى البهو الملاصق لمجلس الرجال . حارت خطوته وهو يفاجأ برجل أنحف من والده بكثير ، يضع نظارة ذات شكل دائري ورأى إلى جانبه حقيبة نصف مغلقة . القهوة جاهزة ؟ بادره الأب . وفهم الآخر الرمز، قال نعم جاهزة ! تحسس الدب القطبي كرش والده في الوقت الذي كان يركز نظرته على هذا الرجل الذي يظهر بلا بطن ، وفي عينيه سؤال استطاع أبوه أن يترجمه ، ولكنه وضع كفه على فمه ، وانحنى ليربط ساقه بخيط موصول ببالون أصغر بقليل من حجمه .ورفع جسده نحو المكان المعد للختان ووضع المصحف على صدره فغطى القفص الصدري بكامله وحجب عينيه . الخاتن يتهيأ كالصياد الولد يلاحق البالون بعينيه الأب يغني وهو يقوم بأعمال المسح الجوي لينقض الأول على الفريسة ، وينفجر الثاني جراء انزلاق القشرة الأرضية وتنز قطرة الدم بسرعة البرق ، ينقطع الخيط وتتوقف الأغنية ويبدأ البكاء . الأم تنتظر لتحكي لصغيرها حكاية البالون الذي يسافر ليعود بالعروس . الدم أول الحياة أول الموت والدم الخيط الأول إلى خارطة الأسرار ***