قصة قصيرة موسى غافل الشطري المغــــــزل تنفش الزوجة عهنها متمهلة صابرة. وتغزل بصمت. والزوج ــ رغم عوق ذراعه ــ يعمد إلى الطوي. يلف الخيط و يفرطه من مغزله . و ينغمر في تأنيه ، لكي يسرح بعيدا، إلى تلك الأيام . وتلك الهموم . وهذي الهموم . يطوي الغزل ، و يريح ساقه السالمة من خدرها . يغور في الأعوام التي انقضت . كيف نجا ؟ لقد عجز الموت أن يطويه كما طوى أخاه . هل يحسده؟ *** لم يمض على عرس أخيه ، سوى أيام معدودة ، فغادر عاجلا و إلى الأبد. تاركًا خلفه زوجة نائحة ، دون انقطاع . بحداثة سنّ . و براءة ريفٍ . و عواطف طفولة جياشة . ذات مشاعر مرهفة. كانت صادقة ببكائها . وحيرتها صادقة . وكلماتها ذات المفردات الشحيحة ، تؤجج آلام النسوة المعزيات .فيسكبن دموعهن مع نواحها وقوفا و قعودا . وتنهد ريفيّتها الطاغية بثقل أوجاعها على الأفئدة . يأمر كبيرهم .. أن يسرعوا لكي يغادر النعش فيقول: ــ عجّلوا يا أولادي،.. كلما عجّلتم يثيبكم الله. أفرى البكاء كبد الزوجة الشابة . و النسوة يسكبن دموعهن مع دموعها فيطغي النواح ويسفح في الفناء . يتقابلن متحلّقات، متربعات ، يتلقّفن الحزن من قلب إلى قلب، تصدح الأصوات ، عبر حزمة من العويل . فيندفع مهووسا ، في لحظات الرحيل . يدلف الفتية على عجل ، السيارة تنتظر قبالة الباب. يعتلي احدهم قمرتَها . يتناوش مقدمة النعش،يسحبه .. يستقر فوق مقدمة السيارة. يشد الحبل طيّا، و الزوجة مشدودة بأيدي رفيقاتها . يشغل أبناء القرية مقاعدهم ، ويلوّح الآخرون مودعين.. حينها.. كان الزوج في الجبهة الشمالية ، وأخوه في الجنوب . لم يخبره أحد بالمصاب . إذ لم يهتدوا لوحدته العسكرية ، بسبب تقدمها إلى العمق . زوجة أخيه لم تعد قادرة على البقاء طويلا. أعادها ذووها إلى الريف . مضت أشهر الحداد و يزيد .تلح عائلتها لكي تتزوج . رفضت مرارا . و أخيرا .. امتثلت و اختارت برضاء تام رجلا مسنا. ترى.. لو أن زوجته ، لم تلد أبنهما ( غنيا) ، هل تأخذ بما اتخذته زوجة أخيه؟ لو أنه رحل .. هل ترفض فتى و تعرس على رجل مسن؟ سألته الزوجة وهي تغزل : ــ أين وصلت؟ قال : ـ أطوي. كل واحدة.. ولها طريقتها التي تناسبها .ربما هذا صحيح . ربما الاثنتان عالجتا الأمر بحكمة و تضحية . زوجته هو .. مكثت أعواما عديدة ، تعالج جراحاته . كان في الحق ميتا . كافحت باستماتة ، كي تلتئم جراح بطنه. وأن تلتئم الفتحة الخارجية . لتنتهي مهمة كيس الفضلات ، و تنقضي حاجته على نحو سليم . ذلك بفضلها ، ما كان بشرا كاملا. بطن منخورة . وساق مبتورة من فوق الركبة . ويد مستأصلة من فوق الرسغ.وشظايا تحت جلده . هنا وهناك. وفي العمق ، مغربل، ومرصّع على نحو قاس. استماتت لكي لا يتيتَّم ابنهما. هي ترى اليتم ، رافعا رزاياه ، يطرق الأبواب ، باباً بعد باب ويلقي بحمله دفعة واحدة .أنها تقاومه . تستميت . تسعّر طاقتها لكي لا تنحني امام كبائره ، و لكي يتعافى زوجها . قالت لقريناتها : ــ أريد أن أعيش أما و زوجة .. أحبل و ألد. و ها هي : تغزل .... وهو يطوي . يشفى على عوق مئة بالماءة ، وعجز جنسي كامل .ليس حيّا ولا ميتا. كانت ميتة أخيه ، ميتة لا لبس فيها. أما هو .. فبماذا يسمي نفسه؟ميّت؟هي نفسها لم تقل له يوما : أنك ذو رجولة ميتة . ولا قالت لأحد . هي .. لا تريد، أن تذعن لقدرها وقدره. ربما.. لو قالت .. ما استمعت لها واحدة .لأن زلازل الهموم ، تميد الأرض بالجميع . فبقيت مثل هذه الأسرار مطوية بالقلوب. مربوطة بخيوط: إلى زلازل الفراسخ و آلافها . و انشقاق الأرض و غرائبها.فمحت ومسخت بشرا، على نحو ترتئيه.. هي . أن الهموم تتناثر ، مثل نثار الصقيع .على مساكن لا تحصى. مرقشة وجوه العديد من النسوة. أراحت الزوجة ساقها و سألته: ــ أين وصلت ؟ قال : ــ أطوي . لم تزل الأحداث تطوي الأيام و السنين ــ كأنها توّا ــ اذ يتأبّط حقيبته ، ضمن حشد مكتظ من الجند يبحثون عن حافلة توصلهم إلى ديارهم . يلتقون و ينتشرون . قسم ، يندفعون راكضين إلى جهة ما . يندفع معهم . فتلوح حافلة ، تمر مسرعة. يمسك بالبـوّابة ، تدف قدماه مثل جناحين . يوشك أن يرتطم باسفلت المرآب .. يستميت الباقون ، ملتصقين بشدّة إلى جنبها .لا تتوقف، تنحرف بالسرعة نفسها ، لتمضي إلى جهة أخرى . يفلت يده و يرتد خائبا . يتشرذم الآخرون. مجاميع .. تتجه ركضا، خارج المرآب تلحق أعداد أخرى ،جريا. يجتازون البوّابة . لم يعثروا على حافلة،فيعودون متمهلين. حافلة لائذة ، تنزوي في حيّز ضيّق ، عند الجدران الخلفية ينسل قسم ، مثنى .. ثلاث،.. رباع . يحس الباقون . يجفل هو .. ينطلق كالسهم .يلحق به آخرون . يمسك بالبوّابة .. يتشبث . يحلّق بفعل الضغط ، من أسفل . يطوي قدميه .ينقذف بسهولة ، معلّبا بأجساد الآخرين ، إلى الداخل . يجلس على المقعد الأول ، خلف السائق . هذا مكانه المفضل .يتنفس لاهثا. يملأ رئتيه ، يدفع بالحقيبة، أسفل مقعده. ينادي آخرون ــ على الأرض ــ يطلبون من الراكبين أن يحجزوا لهم مقاعد. يقذفون بحقائبهم من النوافذ. هو يعرف:أن الجميع متساوون في الحقوق : من يحصل على مقعد بدون جهد، يحرم مستميتا على البوّابة . أحيانا يصل إلى مدينته وقوفا . ربما يقفز للحافلة مبكرا . لكن.. يتعذر عليه أن يحصل على مقعد . هذا ليس مهما . المهم أن يجد نفسه في الداخل . أحيان أخرى تدفعه الموجة الضاغطة إلى العمق.. أحيانا.. يندفع .. وأمامه عبر لحظات مجنونة تنشغل المقاعد . وعند بلوغ النهاية . يرتد خائبا. وهذا ليس مهما . المهم.. أن يكون في الحافلة. قالت الزوجة و هي تراقب شروده : ـ ها.. .. أين وصلت ؟ قال : ـ أطوي . يرقب من الواجهة الأمامية . حافلات تتأنّى . السيل الكاكي يهدر .أعداد جديدة تزحف . متون تحمل حقائب .حافلات تنفلت .والحشد خطوط تتشابك و تنفرط . تهدر حافلته .. تنحرف ، لتنفلت في فناء مهووس.تترنّح الأجساد.، باستسلام، على المقاعد. بفعل سيرها الأفعواني . تهدر كأنها أم تستغيث ، جاهدة أن ترتقي منحنى قوسي ، من جسور الخط السريع. ينقضي وقت ليس قصيرا ، لتأخذ حرّيتها ، كي تواصل أنينها الموجع و تمضي بطي المسافات . يهيمن ضجيجها على اللغط الداخلي . و الطريق حافل باندفاعات عجولة . أحيانا.. لا يحالفه الحظ.. لكي يحصل على مقعد أمامي كهذا ، لذا ينصرف إلى التحديق بالرقع المكتوبة ، على خلفية المقاعد . عبارات مكتظة ..ذكرى محمد مع خاله مسلم ، ذكرى الصديقين.. طالب... و عدنان ... أسماء أخرى ذات معالم باهتة . أسماء بخط رديء . قلب مقذوف بسهم ، و قطرات دمه مرعوفة ، نحو الأسفل . بعض التواريخ تسبق الحرب . مقطع من الشعر كتبه حالم . لم يتعرف آنذاك على آلام غريبة ، تغلّ عنقه . وقبل عوقه ، تعايش مع مجند وسيم حالم . أشبه بطفل . مولع برسم قلوب مسهومة تقطر دما. يلوّن القطرات بمداد أحمر . قطرات مترادفة . من قلب مصاب بسهم .فيسأله : ــ ما هذا؟ فيجيب الفتى : ــ قلبي .. هات يدك .. ضعها هنا ..ها.. ماذا هناك؟ ــ قلب ينبض. ــ كلا .. هذا ليس كل شيء. أنه جريح بسهم . رماه الحبيب و انسل .. ألا ترى ؟ ويشير إلى الرسم. رأى ذلك القلب فعلا. حين كان يرقد على مسافة قريبة منه . مقذوفا بفعل انفجار طوّح بهما معا . كان قلبا صغيرا ممزقا. و الأضلاع مهشمة . الاثنان يرقدان . هو مبتور اليد والساق، ممزق . و الفتى مقطّع الأوصال . يبدو قلبه يقذف بدمه كالنافورة . لم تترابط لديه صور مثل هذه : بأن الدماء تنفر إلى أعلى ثم تهبط . يطوي و الصورة لم تبهت . كأن أحداثها تتوالى : هدير الحافلات الناعبة . والشاحنات ذات المطاوي الراعشة. والناقلات المتأرجحة . والجثث المنعوشة . فوق حدب السيارات المسرعة. مستلقية .. كأنّها منبهرة بسعة السماء . دائمـــــــا.. يفضل أن يرقب انطواء الفلوت ، من فوق المقعد المتقدم .والطريق.. شريط سينمائي، ذو تقنية فنّية عالية. كلما توغلت الحافلة جنوبا .. تنسحب السهب ، بسطحها الراجف إلى الخلف . بلحاء سبخي مسفوع . تتواضع أعالي ضفاف سواقيها لتنطمر. وتنكفئ بلمح البصر .منطوية إلى الوراء ،تلف معها ، تلك اللحظات المترادفة . ذات الأعطاف الحبلى بالمفاجآت.كأنها تقدح في عمق عتّمته الأعوام. آنذاك.. كانت أعواما مفعمة بالفرح الطفولي. أسماك ( الخشني) التي تحتضر بين يديه و يدي أخيه . في سواقي كهذه المندرسة..في برك ضحلة المياه . يمرح مع أخيه و قطيعهما في أرض سندسية الخضرة. ذات أريج لم يزل يتذكّره. وفي تلك البرك ، بالغة الضيق . في قعر السواقي، المغلقة توّا . تتراءى له الأسماك الفضيّة، يافعة الزعانف . تطرطش في المياه الضحلة، تكافح لتنجو من الاختناق . يرقب هذا و كأنه ينصت لطرطشتها توًا. كان من اليسير عليه أن يمسك بها .وأن يتخابث فيدعها تلبط، تحت ضوء الشمس .. يضعها على كفّه . ينعكس ألق الضوء على أصدافها، يثير في نفسه فرحا و غبطة . كان منشدّا بحب غامض إلى اللعب مع أسماك (الخشني) ، وأخوه يصيد و يصخب بضحكه ، ثم لا يلبث أن يقبلها بحنان..يتباريان و يصيدان عددا وافرا.صيدا سهلا.يبقران بطونها و يفرغان الأحشاء.يؤججان نارا ويشويان. يقفز بذهنه إلى الفلوات كيف تنطوي . كيف تنسحب الطريق .للجند، يقطعون المسافات وقوفا. جزء من المتعبين من وعثاء السفر ، يغطون بنوم عميق ، ليس مهما لديهم ثرثرة الواقفين و الجالسين. يلتقط شتاتا من الأحاديث ويهرب بذهنه إلى الطريق . يطل برأسه كالآخرين .. ناقلات تمر . يبدأ العد. يقضي وقتا طويلا. يرتبك العد. مركبات منافسة تتخطى بعضها ، منازعة مع الزمن .يعود منكفئا إلى صخب الحافلة.يلتقط أحاديث عن نقلات الوحدات العسكرية ومواضيع تصب في مجرى الحرب. يلوح له خطفا، قائد احدى الناقلات ، متضائلا في قمرتها. يحدّق باستقامة صارمة، كأنه مثبّت في مطوى القيادة و الهدير يتصاعد خلفه . تلمح عيناه بين الحين و الحين قرويّات يضربن بأيديهن على رؤوسهن ..مثنى .. ثلاث..رباع .أسراب منهن مؤزرات،ماضيات، باتجاه عكسي.لا يستطيع أن يضبط أعدادهن . ألأعداد تنفرط . تتمرد. لا تعطي نفسها بيسر . نسوة أخريات ماضيات مع وجهتهم . يتلاحقن على عجل . قسم يشبكن أصابعهن على هاماتهن .قســـم يرفعن أذرعهن ، كالأسرى، مطوّحات، مستسلمات. قســـم يتحلّقن على حافّات الطريق و يلطمن . طــــريق مكتظة . نسوة تلوح في الأفق ، ذات معالم سود.بغيتهن غامضة. لكن الموضو....................................................ع .. واضح . جنود يتأبّطون يطغاتهم (1) وحقائبهم . قسم يهبط من الحافلة. قســـــم ينتظر على قارعة الطريق.قســـــــــم يحث الخطى من بعيد. أرض مقفرة ، تتهشم معالمها ، و تتبعثر كالغبار ، تحت هذا الحث من صخب الحافلات.و الشاحنات المموهة .والناقلات العارية . انفلات دائم من خلفهم و من أمامهم. سيّارات مجهولة يبتلعها الهدير الأقوى ، فيتقزم هديرها . بعضها تحمل نعشا . حقائب سفر.أواني بلاستك.المنيوم .أقمشة سوداء. خضار. أعلاف جافة . أعلاف خضراء.شاحنات بترول ، كتب على جانبها تحذير (خطر ..سريع الاشتعال).عربة خاصة تتأرجح في إبطها حمّالة . علّق فوقها شاكيتة و قميص . الفلوات المسبخة تتمزق و تنطوي و الوقت يتمدد. رتل تنفرط دقّة أرقامه . والعد مسبحة للمتحرّقين لتجاوز الزمن . وعبر ترامي هذه الفلوات ، كانت مرابع النخيل تتحطم و تمحق محقا. ويمضي بصره مُنْقذفا كالومض ، إلى ملامح مترامية . مصطدما بمجزرة مروّعة .. فالنخيل .. منقصف القمم . أو .. قمم متدلّية هالكة. ومجمـــــوعات تمــــوت وقـــوفاً . يبصر أخريات.. راكعات أو جاثيات.وجذوع مستلقية بطولها . حافلتهم.. تكبح سرعتها . تتأنّى . يهبط مقاتل . يهرول ، لا يصدق : ان الوقت قد انطوى و توقف ، عند الصفر . هو .... كذلك يحسب نياشين . مؤشرات لاقترابه. يحس بقلب زوجته يقترب في قلبه. يفعمه شوق على شوق . والحنين للدفء . لأكلة بيت طيبة . قدح شاي من أنامل زوجته . بسمة . فراش وثير دافئ . خطى .. في فناء .. هو سيّدُه . ويحرّك الباب على مهل ، لأن الطرق العالي يوجع القلب و يُهلعُه . قبلات لولده الوحيد . البكاء من الفرح . دموع تهمي ، تنحدر فوق ابتسامتها العريضة . طعمها الملحي لذيذ. قالت الزوجة وهي تغزل : ــ حاط أم طائر؟ قال: ــ أطـــــوي. ييفع ابنهما ( غني) . ويلتحق بالخدمة. ربما استقل تلك الحافلات ، التي استقلها أبوه.ابنه أيضا يرقب متى يُصفّر الطريق . الولد يميل إلى الصمت . شأنه .. شأن أقرانه . يفضلون أن يرقبوا صامتين .وأن يثصفّر الزمن بصمت .وقبل أيام ابنه ، ما كان المرء ليصدق ، أن تنتهي تلك الأيام ، وتطوى بيد سحريّة . كم تحرّقت الأحياء للطمأنينة؟ كل المخلوقات، حتى الضواري ، حتى الهوام ، كانت تحلم ، أن تنام قريرة العين . وحين انطوت أيام الحرب متوقفة ، كان ذلك بعيدا عن حجم الحقيقة . أوّل ما فكر فيه المبتلى : أن يخلع كل شيء يذكره بآتونها، فخلع قسم منهم ملابسهم ولم يبق سوى ما يستر العورة. وانهدّ الكل في سيل عارم ، والحزن يتحطم ويسحق تحت وطأة الخلاص . قالت الزوجة: ــ أرح نفسك . قال: ــ دعيني أطوي. المرأة يضمر مبيضها و ينغلق .. هذا صحيح . لأن المرأة .. ثبّتت ضمن رقعة ، ذات خطوط بيانية . مربعات آلام وهموم . و الليالي الحبلى بالقلق، و الرعب من المجهول .من الأصوات العالية . الريبة من استفسار عن بيت مقصود. المرأة تشرذمت . هو نفسه تشرذم . هل هو حي ؟ أين ملامح الحياة؟ عجز جنسي و جسدي . ضائقة البيت.أسعار الغزل المتضارب. هموم لا تحصى. الطماطم صعدت . الطماطم هبطت .أوراق الخبّاز بكم ؟ جسد امرأة مثل أم غني بكم ؟ *** اذا كان السؤال مجديا عنها : هي تستمــــــيت منتصرة لعفّتها لكي لا تهبط إلى حضيض اليأس . تساوت لديها الأصفار . صفر يطرح من صفر يساوي صفر. اعرض مزيدا يبهت الطلب .أحفر خندقاً تزداد ترساً. كل الأشياء أصبحت ذات قيمة إلاّ.. هي . ترفع صوتها الغاضب : ــ أليس لهذا حد؟ أنا ما عدت أُطيق .. ألستم رجالا؟ ويهدر بكاؤها المهووس كالرعد . ثم يتلاشى كالهشيم في أعماق الصمت القصية . تصمت . تقضي يومها غازلة مغزولة. المغزل يتروّض على أصابعها . أصابعها تتروّض على المغزل .. الصمت بداية التمرّد . رفض الأمر الواقع . (2) تتعايش على مضض مع المغزل و مطواه. هو قدرها . ممعنا بلولبيته. يهبط لكي يطوي قدرا أكبر من الطوي. ثم يدور على الذراع المبتورة ، دورة معاكسة و يتكوّر. تنجز أم غني هذا و ذاك . تطفق بتهيئة ( اللمبة) (3) . تشعل فتيلها لكي لا يباغتها انطفاء الضوء. يمضي المغزل مفتولا ، وينقضي مزيدا من هزيع الليل . و ألزوج يطوي .. ويطوي .. ويطوي. عند الصباح ، وبعد أن تبتلع لقمة الخبز، تغذ السير إلى ( العلوه) (4). بانتظار أن تحصل على سعر أفضل . البائعات أعداد عديدة . إنه حشر عامل حقا . النساء غادرن الخدر . والغنج . والليالي الحلوة. و أمسيات التجميل .ٍ و انتظار المساء . و الضحك الصاخب . *** تلوح له الخارطة : عرض و طلب . هبوط وارتفاع . قبلة مواسية على خد معفر بغبار العهن المنفوش . يتعفّر بغباره فيعطس. و يستحضر من ذاكرته أنه : القلب النابض نفسه . يلقى لهاثه يَطّرد . يتمعّن في الحاصل و المحصول . في الربح اليومي . يلتقط .. لقى من ُحدُبات أيّامه. ينحدر بنظره إلى أسفل . يتمعن في الجسد الذاوي في الوجه المكدود . المخصول المتعب .. الحيف الغالب . المغلوب . الذكورة في خنثية أنثى . تعود أُم (غني) بعد ساعتين، أو ثلاث.تجد الأب المركون . تقفز إلى مخيلته : ذكريات ألأصدقاء : محسن .. أحمد .. محمود .. حامد. أين؟ رحلوا إلى الأبد. سعد.. حسين .. منتظر . أين ؟ جوّابون مع الغجر . هو نفســـــــــــــــه ؟ فليسمى ما يسمى . الناس وقعت . ومن لم يقع .. يزحف على كوعيه. هو يقول ذلك . إعتراف أمام مذبح المغزل . مُقعد ، بعيد عن عملية الخلق ، غارق في هموم الطوي . لا يرى أجمات ولا سهبأ . *** تعود أم غني صامتة ، تقضي نهارها صامتة. تقرر هي متى تتحدّث . هو أيضا ليس ملزما ، أن يجيب بإسهاب. ذلك أمر لا يؤثر على كفة المعادلة. هم أحرار في الصمت. وفي الغور بمتاهات الصمت .تساوت الأرقام . قياسات الإسهاب و الاختصار : قياسات.. حافلة بالضلال . قياسات ذات مقاعد متحركة، ألاّهم . والأهم .. و الأهم من كل ذلك : أن تتوقف دورة المغزل . أن يطوى غزله و إلى الأبد. ما عادت تطيق حركته اللولبية . و المطوى . و الكيس المحشو مصائب، مسجى كالنعش فوق هامتها. كأنه .. قدرها المقدّر. ما عادت عابئة .. أن تفض الريح عباءتها. فما عادت لها أُنوثة محتشمة. ألمغزل ألغى الأنوثة . ابتلع ليلها و نهارها . ما عادت تحلم بخدر الصباح ولذّته. هو الآخر مبتلع . *** أدرك الزوج قبلها ما تدركه اليوم . وتلمّس بالرصد ، إطلالة الرفض من عينيها. نظرة البغض إلى المغزل . تحرقها أن تحطّمه. أو ينطوي بانطواءة واحدة . يرقبها .. كيف تطوي الليل . صخب الأواني . حضور فطورهما على عجل . لم تنل سوى كسرة خبز . ورشفة شاي مشفوطة. هيّأت علاّقة (5) الغزل . وانحنت لكي تخطف عباءتها . لاح من ثوبها الراقد : ثقب ، تألق منه بياض قفاها . قال هو : استري عورتك .- ارتدّت بنظرة جافلة . أزاحت العباءة، و قرّبت الثقب أمام بصرها ، غرست إبهامها فيه ، وقدّته من أعلى إلى أسفل .. ومضت. 24/2/2000 )ــ يطغ: لفّة الفراش.1) )ــ حذف جزء من هذه الجمل من قبل خبير دار الشؤون الثقافية .2) )ــ اللمبة:قنينة يوضع فيها فتيل و نفط للأضاءة.3) )ــ العلوة : محطة بيع الغزل4) )ــ العلاّقة : كيس لحمل الغزل.5)