*** نجح أهالي تخوم «أم الحما» مؤخرا في إقناع صغارهم بعودة «عواد» الذي صعدت به يد المنية حينما رسخوا في أذهان رفاقه أن جرادة ضخمة استجابت لندائه وجالت به في السماء، قاطعين لهم بحقيقة عودته قريبا، لأن المعاودة من طباع الجراد. *** ومنذ تلك الخديعة البيضاء وعيونهم تبتهل إلى كل ما يعبر فوق مساحات لهوهم من النجم والطير. «عواد» له ابتسامة شفيفة كانت كافية لأن يشرب منها أصدقاؤه ضحكاتهم إلى منتهى النهار، يبتسم حتى في مفاصل الخصومة ابتسامة استقاها من رحابة السهول التي تحوم حول خيامهم. «عواد» الذي أحب الطيور غادر إليها. كان يجيد الحكاية بمهارة عن كل طير يحط على غصن شجرة قريبة منهم، تجتمع حول حكاياته أشواق رفاقه مستمعين ومتسائلين عن رحلة الطير، وعن سر اختلاف أشكالها وألوانها، ليسرد عليهم من أنباء تختلقها مخيلته الموغلة في صمت الأفق. *** عفا زمن على تجوال «عواد» ولايزال مسهبا في غيابة سماء بعيدة. وهنا طفولة تجتمع وتتربص بكل ما يمر بسمائهم الساكتة عن تبرير اليقين. اليوم نضجت طفولتهم قليلا عن خديعة الجرادة.. ونهضوا جمعا لآداء حق الشعيرة. آمنوا بتلك الشريعة.. وما فتئوا متربصين تربص من («عواد» لن يعود) لا يؤمل العودة، وإنما يؤمل على ما يجوب الجو أن يبلَّغ عنهم تلويحة وداع. ***