تم تدشين موقع القصة العربية بشكله المطور الذي يحتوي على الكثير من الخدمات التي تتماشى مع رغبة أعضائه، وبما ينسجم مع وسائل التواصل الاجتماعي. سيكون الموقع للتصفح والقراءة الآن، ريثما ننتهي من برمجة الخدمات المدرجة في جداول التحديث.

قريباً سنعلن عن كيفية الاشتراك، ووضع النصوص وتعديلها، وتفاصيل السيرة الذاتية.. ومزايا أخرى

ألعاب ليلية
*** بدأ الأمر بلعبة لطرد الملل ، المللالذي يتجسد في فك جمليجترك ويمضغك بكسل حتىتجف ، الملل من التكرار البليد ،من الأشياء المتيبسة في لحظةواحدة على خط الزمنوالوجوه التي يطهو الصقيعملامحها . الملل الذي يدفعكإلى التفكير بكسر ساقك للفرارعلى ساق واحدة إلى أي حريق. الملل الهارب من شبكة الصيادإيريك فروم ، أعني الذي تحينساعته بعد أن يتلاشىباستمرار . وهكذا، تأتي منيرة في أسوأالساعات لتنقذك ، تقولالخرافة : بلى تستطيع أنتتخاطر مع شخص بعيد إذاكتبت اسمه على سبعة أحجاروأعدته مقلوبا إلى الأرض فيليلة القمر . إنها تأتي في خضم الإعياءيخطفك وجهها ، ينقذ وعيكمن هذا الوحش وهكذا وتفزلتباشر اللعبة ، تطفىء ضوءالمصابيح وتنثر على أرضيةالغرفة كرات البرجون وما تيسرمن الخواتم والأقراط المهملةوتهدر الوقت في التنقيب عنهافي هوة الظلام ، العتمة وحدهاتكفي لليقظة والتزحلق على وترزمنك الخاص . صوت الكرات وهي تتصادمعشوائيا يلتقط ندوبك القديمةويضع مكانها خرزا أحمر،فهذه اللعبة أكثر أمانا وأفضلمن اقتناء القطط ، أو الألعابالمنهكة للأعصاب . كانت الفكرةاستثنائة وبدت اللعبة في أولالأمر ساحرة ولانهائية ومضادةللملل وما يصاحبه من الشعوربالبلادة والخواء ، أن تتواطألتلهو مع نفسك في لعبة تحدغير معلنة يعني أنك في كل مرةستضطر إلى التعويضباعتبارك لاعبا خاسرا في كلمرة . لا شيء ألذ من طعمالخسارة لكي تعود وتتغلبتعلى خصمك في الجولة التاليةولكنك تفاجأ في كل مرة أنكمنيت بخسارة جديدة ، ويلتهببداخلك الشغف لدحر خصمكوكسر علامة النصر التييرسمها شماتة بك . أعترف أن هذا الهيام باللعبةليس بريئا فهي تستدعي ذاكرةالطفل الذي شاطرته منيرة ذاتصيف بعيد لعبة الظلام ، كانتمسرحية تبررنا وتؤمن غطاءلأخطائنا الصغيرة على نفقةالغرائز . بدأناها يوم زارتنا وبصحبتهاقطة بيضاء فاتنة تبدو فينعاسها مثل كرة القطن ،مادعاني إلى إحضار قطتيالمرقطة ، بغرض إغاظتها ،فنحن نتعامل مع القطط أسوةبأشقائنا الصغار . تركناها تلهو مع قطتي ، وفيرمشة عين مباغتة انزلقت القطةالبيضاء ( التي اكتشفنا للتوأنها أنثى ) من تحت براثنالقط المرقط ، في محاولةللاختباء بينما كانت ضفيرةمواء تنعقد مصحوبة بقهقهاتناالصغيرة . حدق كلانا فيالآخر ، وانتابنا الإحساس ذاته، هل هي رغباتنا الدفينة هيالتي حرضت القطط على هذهاللعبة النادرة . كنا لحسنالحظ وحدنا في الفناء نعيدتمثيل الجريمة في مكان آخر . هأنذا في غضون وقت قصيرأصبحت قادرا على التجول فيأركان البيت بعينين مغمضتينفي الظلام ما يحتم علىاللاعب أن يمارسها بلا خداعفليس ثمة منافس يستغلمهاراته في قص كتفيك بصيحةانتصار غبية ولا أو يهدر الوقتعلى حسابك أو حكم يتربصبأخطائك ، سوى نثار الأشياءالصغيرة التي تتساقط وتتهشمتاركة وراءها أصواتا صاخبة تمكنت بالمران من تمييزها ، أوالاصطدام بجدار نتيجة لعدمتقدير المسافة . فالاماكن فيالظلام تتمدد لتحتل أبعاداأخرى . لكن الملل صار أكثر نذالة منكونه مللا وحسب فما أن ظهرتعلي علامات الرضا وأصبحتأكثر انسجاما مع نفسي حتىبدأ يغير مواعيده ويباغتني فيالنهار وعلي أن أنتظر حلولالليل لأكثر من عشر ساعات ،التحدي الأصعب كان فيممارسة اللعبة في أسوأالأماكن وأشدها خطورة : المطبخ ، فكل حركة هناكتنطوي على مغامرة . لكنالعائد منها ليس ضئيلا أبدا ،اكتشاف التفاصيل الصغيرةوحساب الخطوات التي نجريهابلا تأمل ، وإعادة العلاقةالسوية بين الجسد الذينستخدمه بشكل سيء وبينالروائح والأصوات والأشياءالمتروكة في الحياد حتى لم تعدموجودة والعثور في الفراغاتعلى متعة تضاهي متعةالتجسس من العين السريةعلى أدق التفاصيل . أتجول مثل مساح يدرك الأبعادبدقة لامتناهية . إن اقتفاء أثركوب من القهوة هو بمثابةتمرين روحي يبدأ من صلاةفلاح جبلي في ظل شجرة بنبعيدة ولا ينتهي عند قراءة تلكالتعرجات البنية في قاعالفنجان ، رحلة التنقيب عنالركوة والبن ومتعلقاته مكتنزةبمتعة لم يعثر عليها حتىالأعمى لأنه يقوم بها على نحوعفوي كما يفعل المبصرون إذيتوقف أحدهم فجأة ليطلقصيحة صغيرة ومدببة بعد أنيطول انتظاره : أوه نسيتإشعال الغاز أو ترى هلوضعت السكر أم لا وينتهيالأمر به أن يقوم بالقرعة حتىالعدد عشرة : نعم وضعته لا ،نعم لا . حفظت معجم البيت في الليل ،غير إن النهار يعود ويخربلعبتي الأثيرة التي بسببهااكتشفت بأن الأعمى يرى أبعدمما نرى ويصعد سلالم لونيةليست موجودة . وماذا علي أن أفعل نكالابالنهار ؟! قلت لنفسي : يجب التدخلالجراحي وفي لحظة درامية استجمعتشجاعتي وفقأت عيني معا ،وكان ثمة ظلام عميق يلفالكون وإذا بالأشياءاللامتناهية التي حدثت فيالماضي تلمع تلوح ليلتعتريني رغبة هائلة فيالركض صائحا بطبقة صوتكافية لهدم جدار : منيراااة !! وأكذب إن ادعيت في هذه الليلةالقمرية ، أنني لا أسمعالصدى . ***
عبدالرحمن الدرعان
التعليقات