تم تدشين موقع القصة العربية بشكله المطور الذي يحتوي على الكثير من الخدمات التي تتماشى مع رغبة أعضائه، وبما ينسجم مع وسائل التواصل الاجتماعي. سيكون الموقع للتصفح والقراءة الآن، ريثما ننتهي من برمجة الخدمات المدرجة في جداول التحديث.

قريباً سنعلن عن كيفية الاشتراك، ووضع النصوص وتعديلها، وتفاصيل السيرة الذاتية.. ومزايا أخرى

البرطأونات
البرطأونات
لم أتحقق حينئذ من الساعة كم تكون ، فلا بصري بقادر على تفرس عقاربها ، ولا أرقام شاشة هاتفي الجوال بقادرة على التوهج كي أراها ، غير انه وفي لحظة ما ، حانت مني التفاتة نحو السماء ، لأرى منكب الجوزاء قد هوى أو كاد ، عندها ضممت جراب نومي أكثر إلى جسدي المتهالك ، وأدركت أن الليل في ثلثه الأخير . رباه ، انه الهزيع الأخير من الليل حقاً وصدقاً !! هذا معناه أن عينيّ قد استسلمتا للنوم على مدى ساعتين كاملتين ، أو قل : هي الحمى – لحاها الله – قد أسلمتني للنوم ، وربما كان الإرهاق هو من يقف وراء مثل هذا الاستسلام المهين وليس الحمى ، بل هو الإرهاق بالفعل ، هو الذي كاد أن يجعلني افقد عينيّ وجربنديتي في هذه الحرّة المحروقة ، إذ لو داهمتني البرطأونات أثناء نومي ؛ لكانت عينيّ الآن في خبر كان !! ******* هذه الحرّة ،تجثم على رقعة واسعة من الأرض في منتصف المسافة بين هجرتي القشوب و ملاح ، وهي أرض مجدبة تغطيها الغرابيب السود ؛ فتبدو للرائي وكأنما هي أرض ملعونة ، ومن يدري ؛ فلربما كانت أرضاً ملعونة بالفعل !! مخيفة هذه الأرض المحروقة ، وقاسية هي الحمّى التي ثوت بي هنا رغم انفي ، وكنت قبلا أمر بها على عجل !! هل قلت : الحمى ؟؟ أي هذيان هذا ؟؟ لا ، لا .. ليست الحمى بل الإرهاق ؛ إرهاق القيادة في طريق كئيب موحش يمتد كلعنة سوداء بين هجرتي القشوب وملاح ، عبر الحرة ، عبر الأرض المحروقة ، والآن هاهي سيارتي متوقفة هناك وهاأنذا أتشرنق داخل جراب الجربندية أنتظر جحافل البرطأونات في الهزيع الأخير من الليل . ****** البرطأونات !! تلك الكائنات الدقيقة المتوحشة التي لا يمكن لعقل إنسان أن يتخيلها ، ولا لقلم كاتب أن يصفها ، لكنها موصوفة بالشراسة ، ومعروفة بالتكاثر غير المنطقي ، وبالتوهج كذلك ، إنها متوهجة جدا ، وعدوانية أيضا ، فإذا ما ظفرت بآدمي بادرت إلى حرق عينيه ، تحرق عينيه حرقاً ليرى الأشياء بعد ذلك متوهجة ، بل ليدخل في فراغ هائل من الوهج المخيف . لابد أن يداخلني خوف شديد من هذه البرطأونات ؛ بل قد استبد بي الخوف منها فعلا ، وبخلاف خوفي على عيني الثمينتين فإنني أخاف أيضاً على جربنديتي ، إذ لو تمكنت هذه البرطأونات الماكرة من حرق عيني فلسوف تحرق جربنديتي أيضا ، وهي جربندية عزيزة علي ، فيها جيوب لا تعد ولا تحصى ، أخبئ فيها أوراقي وأقلامي وختمي وخبزي وأمتعتي ، وفيها – وهذا لا يقل أهمية عما ذكر - فيها جيب طويل يبتلعني كلما رغبت في النوم . ***** التفت باتجاه اليمين ، رأيت خيال صخرة حدباء كأنما هي حرباء كبيرة قد مسخها الله حجراً ، فقلت لنفسي : لو استندت على مرفق يدي اليسرى ثم رفعت جسمي عند المنتصف ثم حركته يمينا ، وهبطت هناك ، لتزحزحت مسافة تقربني أكثر من تلك الصخرة الحدباء ، فإذا استلقيت بجوارها فقد ضمنت لنفسي حماية أفضل ، تقيني شر البرد وشر البرطأونات . استندت على مرفق يدي ليسرى ، ثم رفعت جسمي عند المنتصف ، وحركته يمينا، ثم استندت على مرفق يدي اليسرى مرة ثانية و رفعت جسمي عند المنتصف و حركته يمينا ثم هبطت بتؤدة ؛ لأجد جسمي قد التصق بتلك الصخرة الحدباء ممدا بجوارها ، ومثل إبرة بوصلة كان جسدي يشير إلى الشمال ! **** عندما تأتي جحافل البرطأونات ستعبر الحرّة من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ، وربما عبرت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ، وهذه لاتهمني مادمت قد اتخذت وضعا مناسبا ، وعندما تنثال على جسدي وتشرع في نزع وتر آخيليوس من عقبي اليمنى عندها تكون حربي معهم قد بدأت . *** إن نزع وتر آخيليوس من عقب قدمي اليمنى لن يكون أمرا هينا ، سيكون عذابا لوحده ، غير أني سوف أتجرع مرارة الصبر وابدأ الحرب ، وهي حرب سهلة جدا لا تكلف شيئا ، ولا تستغرق وقتا ، يكفي أن أحرك قبضة يدي اليمنى ، أمام عيني اليمنى ، حركة دائرية باتجاه حركة عقارب الساعة ، وأن أحرك قبضة يدي اليسرى ، أمام عيني اليسرى ، حركة دائرية باتجاه معاكس لاتجاه حركة عقارب الساعة ، وأن أصرخ بصوت يتدرج نحو الأعلى : ياه ... يااه ... ياااه .. يااااه .. ياااااه .. يااااااه .. ياااااااه .. يااااااااه .. ياااااااااه .. يااااااااااه .. ياااااااااااه .. ياااااااااااه .. ياااااااااااااه .. يااااااااااااااه ..
التعليقات