تم تدشين موقع القصة العربية بشكله المطور الذي يحتوي على الكثير من الخدمات التي تتماشى مع رغبة أعضائه، وبما ينسجم مع وسائل التواصل الاجتماعي. سيكون الموقع للتصفح والقراءة الآن، ريثما ننتهي من برمجة الخدمات المدرجة في جداول التحديث.

قريباً سنعلن عن كيفية الاشتراك، ووضع النصوص وتعديلها، وتفاصيل السيرة الذاتية.. ومزايا أخرى

أبونـــايف
النباتات الصحراوية الفقيرة عندما تتكثف فى منطقة ما حارة المناخ شحيحة الماء كبيئة المملكة السعودية عادة ما تحصر بينها خطوط أودية وقيعان صغيرة ممتلئة بالرمال الناعمة الهشة المحمولة بالرياح .. تمضى عليها بسيارة غير مجهزة بدفع رباعى فلا تلبث أن تزل احدى عجلاتها , وتحاول يمينا ويسارا لكن تصر السيارة على ما هى عليه بل تنغرس أكثر بصورة مغيظة ان حاولت دفعها .. هذا لم تعتده خاصة اذا كنت حديث عهد بالقيادة فى صحراء كهذه .. تمضى بضع دقائق طويلة ثم يهل عليك أحدهم بسيارته فتشير عليه بكلتي يديك طالبا نجدته فيلبى ويأخذ مقود سيارتك بعد أن يفرغ احدى فردتى العجلات الأماميتين من الهواء المحبوس قليلا ثم يدفع مرة ومرة .. ثم تخرج السيارة وأنت تعجب من صنع هذا الرجل البدوى الذى خطه الكبر بلا امارات ذكاء تلحظها فى عينيه .. يقول لك فى لامبالاة تلقائية : -لاترع هذا شىء ألفناه هنا . ممن أنت ؟ -مهندس فى مشروع المدينة الصناعية . -ما اسمك ؟ -يبدو أنك تعرف بعض العاملين هناك . -أنا أعمل فى هذا المشروع . أنا أبونايف , وأعمل مع أبى فهد . هنا تذكرت هذا الرجل انه مراقب يعمل مع أحد مقاولى الباطن فى المشروع .. لقد رأيته مرة منذ شهر فى بداية عملى .. سلمت عليه بحرارة , ودعانى لتمضية بعض الوقت معه فى عريشته ليلا .. وشكرته دون أن أعده بشىء .. ثم مضيت وأنا أنظر فى ساعة يدى أحسب ما مضى علىّ من تأخير . ... الدوام لثمان ساعات متواصلة من العمل المجهد ينتهى وئيدا , والشتاء يقبل زحفا , والنوم فى الليالى الشتائية من خير ما يصنعه المتعبون بالنهار .. لكنى لم أكد أعود لحجرتى من صلاة المغرب حتى سمعت من ينادينى .. كان أبونايف قد أرسل أحدهم ليقلنى الى عريشته .. اذن فالرجل مصمم على التعرف علىّ .. فلأذهب ولأكسب ود الرجل الكريم .. قطعت السيارة شوطا متعرجا طويلا فى الصحراء حتى بدا وهج نار خافت من بعيد .. قال سلطام بأنه أبونايف جالس هناك يعد الشواء .. سمعت الكلمة الأخيرة فطربت لها فقد كنت أظن أنه كوب حساء وحديث .. والسلام .. لكنها ليست مأدبة على شرفى فان سلطام هذا العفريت فى القيادة ليلا فى هذا المكان المكفر قال بأن هذا دأبهم يجلسون حول النار ويتسامرون مع الشواء .. كان أبونايف بالفعل منهمك فى تقطيع اللحم بشفرة صغيرة فى يده .. هنا ظهرت ملامحه أكثر لى .. رجل فوق الخمسين بقليل , طويل معتدل القامة أسمر الوجه مجعد .. كانت ابتسامته محببة لى هذه التى قابلنى بها وشد بيده على يدى ثم أجلسنى قرب النار .. لبَرهة شعُرت ببرودة لطيفة عند خروجى من السيارة ثم عندما اتكأت قرب النار بدأ الدفأ يسرى فى أوصالى .. ومع حفاوة الرجل مددت رجلى كلتاهما أمامى لأحس براحة غريبة وممتعة .. بدأ سلطام يصب القهوة فاعتذرت له بأنى لا أشربها , فقام وأحضر اناء كبير مملوء باللبن , وقدمه الى فضحكت له أنى قد رفضت فنجان صغير فكان البديل اناء كبير , وهنا صاح أبونايف مازحا : -اشرب .. هذا حليب جملى .. هذا دواء ! فشربت حتى ارتويت , وكان لبن دسم جدا ومع برودته له طعم مسكر جميل . وهنا كان أبى نايف قد انتهى من رص قطع اللحم بين جانبى الشواية ثم وضعها فوق حجرين كبيرين أعلى النار .. قال وهو يأخذ فى التهوية لاضرام الجمرات مشيرا الى الاناء : -هذا خير شىء تشرب منه عندما يظمئ الزرع ولا تجد الماء . كانت نبرة صوته ضاحكة , وقسمات وجهه لا ينقصها الانبساط , فقلت له على الفور وقد أدركت مغذى عبارته : -لكنا فى مصر حفظ الله لنا النيل على مدار العام . فأطرق الرجل أن نعم وقد استملح الجواب السريع , ثم قال : -هذه حياتنا عندما نمل البيت والزوجات نخرج الى هنا لتمضية الوقت . -كم عندك من الزوجات يا أبانايف ؟ -أربعة , وأنت ؟ -واحدة . -ألم تفكر فى الزواج بأخرى .. النساء متاع . -لكن تكاليف الزواج كثيرة , وواحدة تحبها وتحبك خير من أربعة يحملنك من البيت .. وهنا ضحك الرجل وضحكت لضحكه وعلا صوتانا حتى تردد فى المكان ثم قال أبونايف : -لا ترع شىء .. الله ييسر , هل تعلم هذا الفحل (وأشار الى سلطام ) , انى مازلت مدين لجده من مهر أمه . اذن فهذا ابنه .. لم ألحظ من قبل الشبهة الواضح بين الولد وأبيه .. كان سلطام لا يتسمع لنا ؛ فهو منهمك فى رفع الشواية ونزع قطع اللحم منها بعد أن طابت , ثم أخذ أبيه يقطع شرائح السلطة ويجهز الخبز المفرود للوجبة الدسمة .. ومجرد أن وضع أمامى الطعام وجدتنى اعتدل فى جلستى ويسيل لعابى من الرائحة المشبعة فى ذاتها .. كانت قطع الشواء تشعر بالرغبة فعلا فضلا عن شعورى بالجوع الشديد , وكانت أجزاء من التيس معلقة فى جانب العريشة , فقلت لهما ظنا منى أنهم يحفظونه مع برودة الليل هكذا للغد : -أتحفظون اللحم هكذا دون تبريد ؟ -هذا سيعد الآن لقدوم أبى فهـد . -اذن فأنتم تسهرون هنا طويلا ؟ فأجاب الرجل مازحا : -نعم , نظل نحرس الليل . كنا قد بدأنا الأكل , وكان أبو نايف وابنه ماهرين فعلا فى الشواء , ولم أملك نفسى بدعوة الرجل الكريمة حتى امتلأت بالطعام , وشكرته وابنه ودعوت لهما .. ثم انتظرت قليلا حتى فرغا من طعامهما , ثم توضأنا لصلاة العشاء , وقدمنى فصليت بهما صلاة خفيفة , ثم اعتذرت له لعدم مقدرتى على المكوث طويلا , وشددت على يده شاكرا .. لكنه لم يدعنى حتى أخذ منى وعدا بتكرار الزيارة لعريشته , ثم مضى بى سلطام عائدا الى سكنى وقد بدأ الشبع يشعرنى باسترخاء لذيذ .
التعليقات